فصل: ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائتين

خروج محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالطالقان من خراسان يدعو إلى الرضا من آل محمد واجتمع إليه بها ناس كثير وكانت بينه وبين قواد عبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها فهزم هو وأصحابه فخرج هاربًا يريد بعض كور خراسان وكانوا قد كاتبوه فدل العامل عليه فأخذه واستوثق منه وبعث به إلى عبد الله بن طاهر فبعث به إلى المعتصم فقدم به عليه يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر فحبس عند مسرور الكبير الخادم في محبس ضيق يكون طوله ثلاث أذرع في ذراعين فمكث فيه ثلاثة أيام ثم حول إلى موضع أوسع من ذلك وأجري عليه طعام ووكل به قوم يحفظونه فلما كانت ليلة الفطر واشتغل الناس بالعيد هرب من الحبس وذلك أنه دلي إليه حبل من أعلى البيت من كوة يدخل منها الضوء فعلق به فذهب فلم يعرف له خبر ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ قدم إسحاق بن إبراهيم من الجبل فدخل بغداد يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى ومعه الأسرى من الخرمية والمستأمنة وكان قد قتل منهم في المحاربة مائة ألف ‏.‏

وفيها‏:‏ وجه المعتصم عجيف بن عنبسة في جمادى الآخرة لحرب الزط الذين كانوا قد عاثوا في طريق البصرة وقطعوا الطريق واحتملوا الغلات من البيادر بكسكر وما يليها من البصرة وأخافوا السبيل فرتب الخيل في كل سكة من سكك البرد تركض بالأخبار فكان الخبر يخرج من عند عجيف فيصير إلى المعتصم في يومه وحصرهم عجيف من كل وجه وحاربهم وأسر منهم خمسمائة وقتل في المعركة ثلثمائة وبعث بالرؤوس إلى المعتصم وأقام بإزاء الزط خمسة عشر شهرًا يقاتلهم منها تسعة أشهر وكان في خمسة عشر ألفًا فظفر منهم بخلق كثير وخرجوا إليه بالأمان على دمائهم وأموالهم فحملهم إلى بغداد ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ كانت ظلمة شديدة بين الظهر والعصر ‏.‏

وفي رمضان من هذه السنة امتحن المعتصم أحمد بن حنبل فضربه بين يديه بعد أن حبسه مدة ووطن أحمد نفسه على القتل فقيل له‏:‏ إن عرضت على القتل تجيب قال‏:‏ لا ‏.‏

ولقيه خالد الحداد فشجعه وقال له‏:‏ إني ضربت في غير الله فصبرت فاصبر أنت إن ضربت في الله عز وجل وكان خالد يضرب المثل بصبره فقال له المتوكل‏:‏ ما بلغ من جلدك فقال‏:‏ أملئ لي جراب عقارب ثم أدخل يدي فيه وإنه ليؤلمني ما يؤلمك وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط ولو وضعت في فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي ولكني وطنت نفسي على الصبر فقال له الفتح‏:‏ ويحك مع هذا اللسان والعقل ما يدعوك إلى ما أنت فيه من الباطل قال‏:‏ أحب الرئاسة فقال المتوكل‏:‏ ونحن خليفة فقال له رجل‏:‏ يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب قال‏:‏ بلى يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست معكم ‏.‏

وقال داود بن علي‏:‏ لما قدم بخالد اشتهيت أن أراه فمضيت إليه فوجدته جالسًا غير ممكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل فلان فقال‏:‏ لم تتحدثون عن غيركم افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم ‏.‏

 قصة ضرب الإمام أحمد رضي الله عنه

أخبرنا محمد بن أبي منصور قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن أحمد الفقيه أنبأنا عبيد الله بن أحمد أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبيد الله الكاتب حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان القسري قال‏:‏ حدثني داود بن عرفة قال‏:‏ حدثنا ميمون بن الأصبع قال‏:‏ كنت ببغداد فسمعت ضجة فقلت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ أحمد بن حنبل يمتحن فدخلت فلما ضرب سوطًا قال‏:‏ بسم الله فلما ضرب الثاني قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله فلما ضرب الثالث قال‏:‏ القرآن كلام الله غير مخلوق فلما ضرب الرابع قال‏:‏ لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فضرب تسعًا وعشرين سوطًا وكانت تكة أحمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل إلى عانته فرمى أحمد بطرفه إلى السماء وحرك شفتيه فما كان بأسرع من أن بقي السراويل كأن لم نزل فدخلت إليه بعد سبعة أيام فقلت‏:‏ يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك فأي شيء قلت قال‏:‏ قلت‏:‏ اللهم إني أسألك باسمك الذي وفي رواية أخرى‏:‏ أنه ضرب ثمانية عشر سوطًا وفي رواية‏:‏ ثمانين سوطًا ولما بالغوا في ضربه ولم يجب أظهروا أنه قد عفي عنه وترك ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن عمر بن شاهين قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ سمعت عثمان بن عبد ربه يقول‏:‏ سمعت إبراهيم الحربي يقول‏:‏ أحل أحمد بن حنبل من حضر ضربه وكل من شايع فيه والمعتصم وقال‏:‏ لولا أن ابن أبي داود داعية لأحللته ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة‏:‏ صالح بن العباس بن محمد ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جعفر بن عيسى بن عبد الله بن الحسن بن أبي الحسن البصري ويعرف بالحسني ولي القضاء بالجانب الشرقي من بغداد في أيام المأمون والمعتصم وحدث عن حماد بن زيد وجعفر بن سليمان وغيرهما وقال أبو زرعة الرازي‏:‏ ولي القضاء الري وهو صدوق وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ جهمي ضعيف ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا علي بن الحسن أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال‏:‏ شخص المأمون عن مدينة السلام فيما أخبرني به محمد بن جرير إجازة يعني إلى بلد الروم ومعه يحيى بن أكثم يوم السبت لثلاث بقين من المحرم سنة خمس عشرة ومائتين فاستخلف يحيى بن أكثم على الجانب الشرقي جعفر بن عيسى البصري الحسني ثم أشخص المأمون الحسني إليه فاستخلف مكانه هارون بن عبد الله الزهري ثم عزل الزهري وأعاد الحسني توفي الحسني وهو قاضي المعتصم في رمضان هذه السنة وأوصى أن يدفن في مقابر الأنصار فدفن هنالك وصلى عليه أبو علي ابن هارون الرشيد ‏.‏

صالح بن نصر بن مالك بن الهيثم أبو الفضل الخزاعي وهو أخو أحمد بن نصر الشهيد ‏.‏

سمع ابن أبي ذئب وشعبة وشريك بن عبد الله وإسماعيل بن عياش روى عنه‏:‏ خالد بن خداش والدوري وأحمد بن أبي خثيمة وكان ثقة

توفي ببغداد في هذه السنة ‏.‏

عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة أبو محمد كان ثقة فاضلًا خيرًا كثير المال حدث بمصر ‏.‏

وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة له أدب وفصاحة وبلاغة وحسن عبارة وله كتب في الحكم والأمثال رأيت منها جملة وكان له اختصاص بالمأمون وحكى أبو بكر الخطيب أنه كان يرمى بالزندقة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري أخبرنا محمد بن عمران بن موسى حدثنا عبيد الله بن محمد بن أبي سعيد حدثنا أحمد بن أبي طاهر حدثنا علي بن عبيدة الريحاني قال‏:‏ التقى أخوان متوادان فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ كيف ودك لي قال‏:‏ حبك متوشح بفؤادي وذكرك سمير سهادي فقال الآخر‏:‏ أما أنا فأحب أن أوجز في وصفي ما أحب أن يقع على سواك طرفي غسان بن المفضل أبو معاوية الغلابي البصري ‏.‏

سكن بغداد وحدث بها عن‏:‏ سفيان بن عيينة روى عنه‏:‏ ابنه المفضل وكان ثقة من عقلاء الناس دخل على المأمون فاستعقله ‏.‏

وتوفي في هذه السنة الفضل بن دكين أبو نعيم ودكين‏:‏ لقب واسمه عمرو بن حماد بن زهير بن درهم مولى طلحة بن عبيد الله التيمي ‏.‏

ولد سنة ثلاثين ومائة وأبو نعيم كوفي كان شريكًا لعبد السلام بن حرب في دكان واحد يبيعان الملاء وسمع أبو نعيم من الأعمش ومسعر وزكريا بن أبي زائدة وابن أبي ليلى والثوري ومالك وشعبة في آخرين ‏.‏

وقال‏:‏ كتبت عن نيف ومائة شيخ ممن كتب عنه سفيان وسمع منه ابن المبارك وروى عنه أحمد بن حنبل والبخاري وأبو زرعة وغيرهم وكان ثقة ‏.‏

وامتحن بالكوفة أيام المحنة فأحضره واليها وسأله عن القرآن فقال‏:‏ أدركت الكوفة وبها أكثر من سبعمائة شيخ الأعمش فمن دونه يقولون القرآن كلام الله وعنقي أهون عندي من زري هذا‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ لقيت أبا نعيم أيام المحنة بالكوفة فقال‏:‏ لقيت ثلاثمائة شيخ كلهم يقولون القرآن كلام الله ليس بمخلوق ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس قال‏:‏ سمعت أحمد بن يعقوب يقول‏:‏ سمعت عبد الله بن الصلت يقول‏:‏ كنت عند أبي نعيم فجاءه ابنه يبكي فقال له‏:‏ ما لك فقال‏:‏ الناس يقولون إنك متشيع فأنشأ يقول‏:‏ وما زال كتمانيك حتى كأنني يرجع جواب السائلي عنك أعجم لأسلم من قول الوشاة وتسلمي سلمت وهل حي على الناس يسلم قال المصنف‏:‏ وفي رواية أخرى أنه سئل‏:‏ أتتشيع فقال‏:‏ سمعت الحسن بن صالح يقول‏:‏ سمعت أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ قرأت على علي بن أبي علي البصري عن علي بن الحسن الجراحي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن الجراح قال‏:‏ سمعت أحمد بن منصور يقول‏:‏ خرجت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق خادمًا لها فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل‏:‏ أريد أختبر أبا نعيم فقال له أحمد‏:‏ لا تزد الرجل ثقة ‏.‏

فقال يحيى بن معين‏:‏ لا بد لي فأخذ ورقة وكتب فيها ثلاثين حديثًا من حديث أبي نعيم وجعل على رأس كل عشرة منها حديثًا ليس من حديثه ثم جاءا إلى أبي نعيم فدقا عليه الباب فخرج فجلس على دكان طين حذاء بابه فأخذ أحمد بن حنبل فأجلسه عن يمينه وأخذ يحيى بن معين فأجلسه عن يساره ثم جلست أسفل الدكان فأخرج يحيى بن معين الطبق فقرأ عليه عشرة أحاديث وأبو نعيم ساكت ثم قرأ الحديث الحادي عشر فقال له أبو نعيم‏:‏ ليس من حديثي فاضرب عليه ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت فقرأ الحديث الثاني فقال أبو نعيم‏:‏ ليس من حديثي فاضرب عليه ثم قرأ العشر الثالث وقرأ الحديث الثالث فتغير أبو نعيم وانقلبت عيناه وأقبل على يحيى بن معين فقال له‏:‏ أما هذا - وذراع أحمد في يده - فأورع من أن يعمل هذا وأما هذا - يريدني - فأقل من أن يفعل مثل هذا ولكن هذا من فعلك يا فاعل ثم أخرج رجله فرفس يحيى بن معين فرمى به من الدكان وقام فدخل داره فقال أحمد ليحيى‏:‏ ألم أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت أخبرنا عبد الباقي بن عبد الكريم المؤدب أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الخلال حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب حدثنا جدي قال‏:‏ حدثنا بعض أصحابنا‏:‏ أن أبا نعيم خرج عليهم في شهر ربيع الأول من سنة سبع عشرة ومائتين يومًا بالكوفة فجاء ابن لمحاضر بن المورع فقال له أبو نعيم‏:‏ إني رأيت أباك البارحة في النوم فكأنه أعطاني درهمين ونصفًا فما تؤولون هذا فقلنا‏:‏ خيرًا رأيت فقال‏:‏ أما أنا فقد أولتهما أني أعيش يومين ونصفًا أو شهرين ونصفًا أو سنتين ونصفًا ثم ألحق بأبيك ‏.‏

فتوفي بالكوفة ليلة الثلاثاء لانسلاخ شعبان سنة تسع عشرة ومائتين ‏.‏

قالوا‏:‏ وذلك بعد هذه الرؤيا بثلاثين شهرًا تامة وقيل‏:‏ توفي سنة ثمان عشرة ‏.‏

محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك أبو عبد الله الرقاشي سمع مالك بن أنس وحماد بن زيد في آخرين وروى عنه‏:‏ البرجلاني ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبو حاتم الرازي وكان متقنًا ثقة وكان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة ‏.‏

 ثم دخلت سنة عشرين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن المعتصم مضى إلى سر من رأى فابتنى بها وكان سبب ذلك كثرة عسكره وضيق بغداد عنه وتأذي الناس به ‏.‏

ومن الحوادث‏:‏ دخول عجيف بالزط بغداد وقهره إياهم حتى طلبوا منه الأمان فآمنهم فخرجوا إليه في ذي الحجة سنة تسع عشرة على أنهم آمنون على دمائهم وأموالهم وكانت عدتهم سبعة وعشرين ألفًا المقاتلة منهم اثنا عشر ألف رجل فجعلهم عجيف في السفن وأقبل بهم حتى نزل الزعفرانية فأعطى صاحبه دينارين دينارين وأقام بها يومًا ثم عبأهم في زواريقهم على هيئتهم في الحرب معهم البوقات حتى دخل بهم بغداد يوم عاشوراء سنة عشرين والمعتصم بالشماسية في سفينة فمر به الزط على تعبئتهم ينفخون بالبوقات فكان أولهم بالقفص وآخرهم بحذاء الشماسية فأقاموا في سفنهم ثلاثة أيام ثم عبر بهم إلى الجانب الشرقي فدفعوا إلى بشر بن السميدع فذهب بهم إلى خانقين ثم نقلوا من الثغر إلى عين زربة فأغارت عليهم الروم بعد مدة فاجتاحوهم فلم يفلت منهم أحد ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ عقد المعتصم للأفشين على الجبال وحرب بابك وذلك يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخرة فعسكر ببغداد ثم صار إلى برزند ‏.‏

روي عن رجل من الصعاليك يقال له مطران قال‏:‏ بابك ابني فقيل له‏:‏ كيف قال‏:‏ كانت أمه تخدمني وتغسل ثيابي فوقعت يومًا عليها ثم غبنا عنها ثم قدمنا فإذا هي تطلبني فقلت‏:‏ حين ملأت بطني تركتني فقلت لها‏:‏ والله لئن ذكرتيني لأقتلنك ‏.‏

فسكتت فهو والله ابني ‏.‏

وذكر بعض المؤرخين أن أم بابك كانت عجوزًا فقيرة في قرية من قرى الأدعان فشغف بها رجل من النبط في السواد يقال له عبد الله بن محمد بن منبه فحملت منه وقتل الرجل وبابك حمل فوضعته وجعلت تكتسب له إلى أن بلغ وصار أجيرًا لأهل قريته على سرحهم بطعامه وكسوته وكان في تلك الجبال من الخرمية قوم وعليهم رئيسان يتكافحان يقال لأحدهما جاوندان والآخر عمران فمر جاوندان بقرية بابك فتفرس فيه الجلادة فاستأجره من أمه وحمله إلى ناحيته فمالت إليه امرأته وعشقته فأفشت إليه أسرار زوجها وأطلعته على دفائنه فلم يلبث إلا قليلًا حتى وقعت بين جاوندان وعمران حرب فأصابت جاوندان جراحة فمات منها فزعمت امرأة جاوندان أنه قد استخلف بابك على أمره فصدقوها فجمع بابك أصحابه وأمرهم أن يقوموا بالليل وأن يقتلوا من لقوا من رجل أو صبي فأصبح الناس قتلى لا يدرون من قتلهم ثم انضوى إليه الذعار وقطاع الطريق وأرباب الزيغ حتى اجتمع إليه جمع كثير واحتوى على مدن وقرى وقتل ومثل وحرق وانهمك في الفساد وكان يستبيح المحظورات وكان ظهور بابك في سنة إحدى ومائتين بناحية أذربيجان وهزم من جيوش السلطان وقواده خلقًا كثيرًا وبقي عشرين سنة على ذلك فقتل مائتي ألف وخمسة وخمسين ألف وخمسمائة إنسان ‏.‏

وكان إذا علم عند أحد بنتًا جميلة أو أختًا طلبها منه فإن بعثها إليه وإلا بيته وأخذها فاستنقذ من يده لما أخذه المسلمون سبعة آلاف وستمائة إنسان ‏.‏

ولما ولي المعتصم بعث إليه أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل وأمره أن يبني الحصون التي خربها بابك فيما بين زنجان وأردبيل ويجعل فيها الرجال مسالح لحفظ الطريق لمن يجلب الميرة إلى أردبيل فتوجه أبو سعيد لذلك وبنى الحصون فوجه بابك سرية له في بعض غاراته وجعل أميرهم رجلًا يقال له‏:‏ معاوية فخرج فأغار على بعض النواحي ورجع منصرفًا فبلغ ذلك أبا سعيد محمد بن يوسف فجمع الناس وخرج إليه فعرض له في بعض الطريق فواقعه فقتل من أصحابه جماعة وأسر منهم جماعة واستنقذ ما كان حواه فهذه أول هزيمة كانت على أصحاب بابك وبعث أبو سعيد الأسرى والرؤوس إلى المعتصم ‏.‏

ثم كانت أخرى لمحمد بن البعيث وكان في قلعة حصينة وكان مصالحًا لبابك إذا توجهت سراياه نزلت به فأضافهم فوجه بابك رجلًا يقال له‏:‏ عصمة في سرية فنزل بابن البعيث فأقام له الضيافة على العادة وبعث إلى عصمة أن يصعد إليه في خاصته ووجوه أصحابه فصعد فغداهم وسقاهم حتى أسكرهم ثم وثب على عصمة فاستوثق منه وقتل من كان معه من أصحابه وأمره أن يسمي رجلًا رجلًا من أصحابه باسمه فكان يدعى الرجل باسمه فيصعد فيضرب عنقه حتى علم الباقون فهربوا ووجه بعصمة إلى المعتصم فلم يزل محبوسًا إلى أيام الواثق ‏.‏

فندب المعتصم الأفشين للقاء بابك وعقد له على الجبال كلها ووصف له كل يوم يركب فيه عشرة آلاف درهم صلة ويومًا لا يركب خمسة آلاف درهم سوى الأرزاق والأنزال والمعاون وما يتصل إليه من أعمال الجبال وأجازه عند خروجه بألف ألف درهم فقاومه الأفشين سنة وانهزم من بين يديه غير مرة ولما وصل الأفشين إلى برزند عسكر بها ورم الحصون ما بين برزند وأردبيل وأنزل محمد بن يوسف بموضع يقال له خش واحتفر حوله خندقًا وكان إذا وقع بجاسوس لبابك أضعف له ما يعطيه بابك ويقول له‏:‏ كن جاسوسًا لنا ‏.‏

فوجه المعتصم مع بغا الكبير بمال إلى الأفشين لجنده وللنفقات فبلغ الخبر إلى بابك فتهيأ ليقطع الطريق عليه ويأخذ المال فعرف الأفشين فكتب إلى بغا بأن يقيم بأردبيل حتى يأتيه رأيه وركب الأفشين في سر فجاء وبابك قاعد على غفلة وأصحابه قد تفرقوا فاشتبكت الحرب فلم يفلت من رجال بابك أحد وأفلت هو في نفر يسير إلى موقان ورجع الأفشين إلى معسكره ببرزند ثم بعث إلى البذ فجاءه في الليل عسكر فيه رجالة فرحل بهم من موقان حتى دخل البذ وهي مدينة بابك‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج المعتصم إلى القاطول وذلك في ذي القعدة واستخلف الواثق ابنه ببغداد وكان السبب في ذلك‏:‏ خوفه من جنوده وكان قد قال لأحمد بن أبي خالد‏:‏ يا أحمد اشتر لي بناحية سامراء موضعًا أبني فيه مدينة فإني أتخوف أن يصيح هؤلاء الحربية صيحة فيقتلوا غلماني حتى أكون فوقهم فإن رابني منهم ريب أتيتهم في البر والبحر حتى آتي عليهم وقال لي‏:‏ خذ مائة ألف دينار ‏.‏

فقال‏:‏ آخذ خمسة آلاف دينار فكلما احتجت إلى زيادة بعثت فاستزدت ‏.‏

قال‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ فأتيت الموضع فاشتريت سامراء بخمسمائة درهم من النصارى أصحاب الدير واشتريت موضع البستان الخاقاني بخمسة آلاف درهم واشتريت عدة مواضع حتى أحكمت ما أردت ثم انحدرت فأتيته بالصكاك فعزم على الخروج إليها في سنة عشرين فخرج حتى إذا قاربها وقارب القاطول ضربت له فيه القباب والمضارب وضرب الناس الأخبية ثم لم يزل يتقدم وتضرب له القباب حتى وضع البناء بسامراء في سنة إحدى وعشرين ‏.‏

وسأل المعتصم مسرورًا الخادم‏:‏ أين كان الرشيد يتنزه إذا ضجر من المقام فقال‏:‏ بالقاطول قد كان بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم وقد كان خاف من الجند أيضًا فلما وثب أهل وكان بالبصرة في هذه السنة طاعون مات فيه خلق كثير وكان لرجل سبع بنين فماتوا في يوم واحد فعزي فقال‏:‏ سلم سلم ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وأخذ منه ما قيمته عشرة آلاف ألف دينار وكان الفضل في أول أمره متصلًا برجل من العمال يكتب له وكان حسن الحظ ثم صار مع كاتب للمعتصم يقال له يحيى الجرمقاني فلما مات الجرمقاني صار الفضل في موضعه ثم ترقى إلى الوزارة وصارت الدواوين كلها تحت يده وحل من المعتصم محلًا زائدًا في الحد فحملته الدالة على أن كان المعتصم يأمره بإعطاء المغني والملهي فلا ينفذ ذلك فثقل على المعتصم إلى أن أمر لرجل بشيء فلم يعطه الفضل فلما كان بعد مدة قال الرجل بالمداعبة للمعتصم‏:‏ ما لك من الخلافة إلا الاسم وإنما الخليفة الفضل ‏.‏

قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأن أمرك لا ينفذ تأمره بإعطاء المغني والملهي فلا ينفذ ذلك وأمرت لي بكذا منذ مدة فما أعطيت ‏.‏

فتغير المعتصم للفضل فصير أحمد بن عمار الخراساني زمامًا عليه في نفقات الخاصة ونصر بن منصور بن بسام زمامًا عليه في الخراج وجميع الأعمال وكان محمد بن عبد الملك الزيات يتولى عمل الفساطيط وآلة الجمازات وكان يلبس الدراعة السوداء فقال له الفضل‏:‏ إنما أنت تاجر فما لك والسواد ‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف عن الأزرق قال‏:‏ حدثني غير واحد من مشايخ الكتاب‏:‏ أن المعتصم قال‏:‏ أريد صرف عبيد الله بن سليمان عن الوزارة منذ دهر فإذا فكرت في أني أصرفه ضاع من ارتفاعي فيما بين صرفه وولاية وزير آخر خمسمائة ألف دينار فلم أصرفه قال المحسن‏:‏ هذا وإنما كان في يد المعتصم قطعة من الدنيا بل قطعة يسيرة عما كان في يد غيره من الخلفاء ‏.‏

ويحقق هذا الرأي ما بلغنا في أيام المعتصم أنه أنكر على الفضل بن مران شيئًا وهو يتقلد ديوان الخراج فأنفذ إليه محمد بن عبد الملك الزيات برسالة قبيحة وكانت بينهما عداوة فجاء محمد حتى وقف على باب الديوان راكبًا لم ينزل وقال‏:‏ قولوا له معي رسالة من أمير المؤمنين فليخرج إلي حتى أؤديها إليه فجاء الغلمان فعرفوه وهو جالس يعمل وفي حجره منديل ودواته مفتوحة والعمال بين يديه والكتاب فترك ذلك وخرج وقال لمحمد‏:‏ قل ‏.‏

قال‏:‏ وتبعه الناس في خروجه فقال له محمد بين أيديهم وهو راكب ولم ينزل‏:‏ إن أمير المؤمنين يقول لك كيت وكيت وانصرف ودخل الفضل ولم يبن عليه تغير ولا اضطراب وعاد فعمل وركب في الليل إلى الخليفة فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ديوان الخراج سلة خبزك ومعاملي فيه مع من يطمع فيك وفي مالك وباليسير تنخرق الهيبة وقد جرى اليوم ما أذهب منك فيه خمس مائة ألف دينار قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ جاء محمد بن عبد الملك إلى باب الديوان وبحضرتي العمال الذين عليهم الأموال وخلفاء العمال الذين في النواحي وأنا أطالبهم فلم ينزل إلي وأخرجني إليه وأدى إلي الرسالة ظاهرًا وهم يسمعون فعدت وقد تقاعدني من كان يريد الأداء وكتب إلي العمال بذلك فتوقفوا عن حمل ما يريدون حمله ووقع الإرجاف بصرفي فوقف علي من الارتفاع خمس مائة ألف دينار وهي الآن كالتالف ‏.‏

فقال‏:‏ ولم أدى الرسالة ظاهرًا وما أمرته بذلك فقال‏:‏ لما بيننا من العداوة ‏.‏

فقال له المعتصم‏:‏ امض لشأنك فقد زال ما كان في نفسي عليك وسأبلغك فيه ما تحب ‏.‏

قال المصنف‏:‏ ثم إن المعتصم خرج إلى القاطول فغضب على الفضل وأهل بيته وأمرهم برفع ما جرى على أيديهم وأخذ الفضل يعمل حسابه ثم حبسه وحبس أصحابه ثم نفاه إلى قرية في طريق الموصل يقال لها السن وصير مكانه محمد بن عبد الملك الزيات فصار محمد وزيرًا وجرى على يديه عامة ما بنى المعتصم بسامراء ولم يزل في مرتبته إلى أن استخلف المتوكل‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة‏:‏ صالح بن العباس بن محمد ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

آدم بن أبي إياس مولى أصله من خراسان ونشأ ببغداد ودخل إلى البلاد وسمع من شعبة والليث وخلق كثير وكان من العلماء الثقات الصالحين واستوطن عسقلان وتوفي بها في هذه السنة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أحمد بن عبد الواحد حدثنا إسماعيل بن سعيد بن المعدل حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ حدثني أبو علي المقدمي قال‏:‏ لما حضرت آدم بن أبي إياس الوفاة ختم القرآن وهو مسجى ثم قال‏:‏ بحبي لك إلا رفقت بي في هذا المصرع كنت أؤملك لهذا اليوم كنت أرجوك لهذا ثم قال‏:‏ لا إله إلا الله ثم قضى ‏.‏

خلف بن أيوب أبو سعيد العامري البلخي فقيه أهل بلخ وزاهدهم أخذ الفقه عن أبي يوسف وابن أبي ليلى والزهد عن إبراهيم بن أدهم ‏.‏

وسمع الحديث من عوف بن أبي جميلة وإسرائيل ومعمر وغيرهم روى عنه‏:‏ أحمد ويحيى وأبو كريب ‏.‏

أنبأنا زاهر بن طاهر أنبأنا أحمد بن الحسين البيهقي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز المذكر يقول‏:‏ سمعت أبا عمرو محمد بن علي الكندي يقول‏:‏ سمعت مشايخنا يذكرون أن السبب في إثبات ملك آل ساسان أن أسد بن نوح خرج إلى المعتصم وكان أسد حسن المنظر شجاعًا عالمًا فصيحًا عاقلًا فتعجبوا من حسنه وجماله وفصاحته ‏.‏

فقال له أمير المؤمنين‏:‏ هل في بيتك أشجع منك قال‏:‏ لا ‏.‏

قال‏:‏ فهل في بيتك أعقل منك قال‏:‏ لا ‏.‏

فلم يعجب الخليفة ذلك منه فدخل عليه بعد ذلك فسأله مثل تلك المسألة فأجابه بمثل ذلك الجواب فلم يعجبه ثم إنه كرر عليه السؤال فأجابه بمثله فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين هلا قلت ولم ذاك قال‏:‏ ويحك ولم ذلك قال‏:‏ لأنه ليس في أهل بيتي أحد وطئ بساط الخليفة وشاهد طلعته وقابله بالمسألة التي قابلني بها ورضي خلقه وخلقه غيري فأنا أفضلهم إذًا فاستحسن أمير المؤمنين ذلك منه فتمكن موقعه لديه ثم إنه خيره بين أعمال كور خراسان فاختار منها ولاية بلخ ونواحيها فلما ورد بلخ بعهد أمير المؤمنين كان يتولى الخطبة بنفسه ثم إنه سأل عن علماء بلخ هل فيهم من لم يقصده ‏.‏

قالوا‏:‏ نعم خلف بن أيوب أعلم أهل الناحية وأزهدهم وأورعهم وهو يتجنب السلطان ولا سبيل إليه في اختلافه إلى السلاطين فاشتهى أسد بن نوح لقاءه فوكل بعض أصحاب الأخبار بخلف بن أيوب وقال‏:‏ إذا كان يوم الجمعة فراقب خلفًا فإذا خرج من بيته فبادر إلي وعرفني فذهب صاحب الخبر فراقب خلف بن أيوب حتى خرج من بيته يقصد الجمعة فبادر وأخبره فركب فلما استقبله نزل عن دابته وقصد خلفًا فلما رآه خلف قد قصده قعد مكانه وغطى وجهه بردائه فقال‏:‏ السلام عليكم ‏.‏

فأجابه جوابًا مشفيًا فسلم المرة الثانية فأجاب ولم يرفع رأسه فرفع أسد بن نوح رأسه إلى السماء ثم قال‏:‏ اللهم إن هذا العبد الصالح يبغضنا فيه ونحن نحبه فيك ثم ركب ومر فأخبر بعد ذلك أن خلف بن أيوب مرض فذهب إليه يعوده فقال له‏:‏ هل لك من حاجة قال‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ حاجتي أن لا تعود إلي وإذا مرضت ‏.‏

قال‏:‏ وهل غير ذلك قال‏:‏ إن مت فلا تصلي علي وعليك السواد قال‏:‏ فلما توفي خلف شهد أسد بن نوح جنازته راجلًا فلما بلغ المصلى نزع السواد وتقدم فصلى عليه فسمع صوتًا بالليل‏:‏ بتواضعك وإجلالك لخلف بن أيوب ثبتت الدولة في عقبك ولا تنقطع أبدًا ‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ أن أسدًا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه يقول له‏:‏ يا أسد بن نوح ثبت ملكك وملك بيتك بإجلالك لخلف بن أيوب ‏.‏

سليمان بن داود بن داود بن علي بن عبد الله بن العباس أبو أيوب الهاشمي كان داود بن علي قد مات وابنه حمل فلما ولد سموه باسمه داود وسمع سليمان عبد الرحمن بن أبي الزياد وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وغيرهم ‏.‏

وروى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل وإبراهيم الحربي وكان ثقة ‏.‏

قال الشافعي‏:‏ ما رأيت أعقل من رجلين‏:‏ أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي ‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ لو قيل لي اختر للأمة رجلًا استخلفه عليهم استخلفت سليمان بن داود الهاشمي ‏.‏

توفي سليمان في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة تسع عشرة عفان بن مسلم أبو عثمان الصفار البصري مولى عزرة بن ثابت الأنصاري ولد سنة أربع وثلاثين ومائة وحدث عن شعبة والحمادين وخلق كثير ‏.‏

روى عنه‏:‏ أحمد ويحيى وابن المديني وغيرهم وكان إمامًا ثقة صاحب سنة وورع ضمن له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل ولا يقول عدل ولا غير عدل فأبى وقال‏:‏ لا أبطل حقًا من الحقوق وابتلي في المحنة فلم يجب ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز حدثنا أبو الفضل صالح بن أحمد التميمي قال‏:‏ سمعت القاسم بن أبي صالح يقول‏:‏ سمعت إبراهيم بن الحسين ديزيل يقول‏:‏ لما دعي عفان للمحنة كنت آخذًا بلجام حماره فلما حضر عرض عليه القول فامتنع أن يجيب فقيل له‏:‏ يحبس عطاؤك قال‏:‏ وكان يعطى في كل شهر ألف درهم فقال‏:‏ ‏{‏وفي السماء رزقكم وما توعدون‏}‏ قال‏:‏ فلما رجع إلى داره عذله نساؤه ومن في داره وكان في داره نحو أربعين إنسانًا قال‏:‏ فدق عليه داق الباب فدخل رجل شبهته بسمان أو زيات ومعه كيس فيه ألف درهم فقال‏:‏ يا أبا عثمان ثبتك الله كما ثبت هذا الدين وهذا لك في كل شهر ‏.‏

توفي أبو عثمان في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة تسع عشرة ولا يصح فتح الموصلي أبو نصر ورد بغداد زائرًا لبشر الحافي ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر الحسن بن عثمان بن أحمد أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا العباس بن يوسف حدثنا أبو جعفر البزاز حدثنا أبو نصر ابن أخت بشر الحافي قال‏:‏ كنت يومًا واقفًا ببابنا إذ أقبل رجل ثائر الرأس ملتف بالعباء فقال لي‏:‏ بشر في البيت قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ ادخل فقل له فتح بالباب ‏.‏

فدخلت فقلت‏:‏ يا خال شيخ في عباء قال لي‏:‏ قل لبشر فتح بالباب فخرج مسرعًا فصافحه واعتنقه فقال له الشيخ‏:‏ يا أبا نصر ذكرتك البارحة واشتقت إلى لقائك قال‏:‏ فدفع إلي درهمًا فقال‏:‏ خذ بأربعة دوانيق خبزًا ويكون جيدًا وبدانقين تمرًا فقال الشيخ‏:‏ قل له‏:‏ يكون سهريزًا فجئته به ‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ قل له يأكل معنا فقال‏:‏ كل معنا فأكلت معهم فلما أكلت أخذ ما فضل في طرف العباء ومضى فخرج خالي معه فشيعه إلى باب حرب فلما رجع قال لي‏:‏ يا بني تدري من هذا قلت‏:‏ لا ‏.‏

قال‏:‏ هذا فتح الموصلي ‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ أن بشرًا قال‏:‏ تدرون لم حمل باقي الطعام قالوا‏:‏ لا ‏.‏

قال‏:‏ إذا صح التوكل لم يضر الحمل وقد ذكرنا فتحًا الموصلي في سنة سبعين ومائة وذاك آخر ‏.‏

محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر رضوان الله عليهم ولد سنة مائة وخمس وتسعين وقدم من المدينة إلى بغداد وافدًا على المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون وكان المأمون قد زوجه إياها وأعطاه مالًا عظيمًا وذلك أن الرشيد كان يجري على علي بن موسى بن جعفر في كل سنة ثلثمائة ألف درهم ولنزله عشرين ألف درهم في كل شهر فقال المأمون لمحمد بن علي بن موسى لأزيدك على مرتبة أبيك وجدك فأجرى له ذلك ووصله بألف ألف درهم ‏.‏

وقدم بغداد فتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس ليال خلون من ذي الحجة في هذه السنة وركب هارون بن المعتصم وصلى عليه ثم حمل ودفن في مقابر قريش عند جده موسى بن جعفر وهو ابن خمس وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يومًا وحملت امرأته إلى قصر المعتصم فجعلت في جملة الحرم ‏.‏

وبلغنا عن بعض العلويين أنه قال‏:‏ كنت أهوى جارية بالمدينة وتقصر يدي عن ثمنها فشكوت ذلك إلى محمد بن علي بن موسى الرضا فبعث فاشتراها سرًا فلما بلغني أنها بيعت ولم أعلم أنه اشتراها زاد قلقي فأتيته فأخبرته ببيعها فقال‏:‏ من اشتراها قلت‏:‏ لا أعلم قال‏:‏ فهل لك في الفرجة قلت‏:‏ نعم ‏.‏

فخرجنا إلى قصر له عنده ضيعة فيها نخل وشجر وقد قدم إليه فرشًا وطعامًا فلما صرنا إلى الضيعة أخذ بيدي ودخلنا ومنع أصحابه من الدخول وأقبل يقول لي‏:‏ بيعت فلانة ولا تدري من اشتراها فأقول‏:‏ نعم وأبكي حتى انتهى إلى بيت على بابه ستر وفيه جارية جالسة على فرض له قيمة فتراجعت فقال‏:‏ والله لتدخلن فدخلت فإذا الجارية التي كنت أحبها بعينها فبهت وتحيرت فقال‏:‏ أفتعرفها قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ هي لك مع الفرش والقصر والضيعة والغلة والطعام وأقم بحياتي معها وابلغ وطرك في التمتع بها وخرج إلى أصحابه فقال‏:‏ أما طعامنا فقد صار لغيرنا فجددوا لنا طعامًا ثم دعا الأكار فعوضه عن حقه من الغلة حتى صارت لي تامة ثم مضى ‏.‏